samedi 22 février 2014

الفرد المسلم

نشرت من طرف : Unknown  |  في  16:57



زخر تراثنا الإسلامي بعد القرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية وإلى يومنا هذا بمدارس تربوية متعددة عنيت بالكيان الباطني الروحي للإنسان إلا أن هذه المدارس حادت في عمومها عن التربية الإيمانية الجهادية التي تروم بناء الإنسان بناء متكاملا انطلاقا من كبده الفردي والجماعي، وترفعه مع الجماعة المؤمنة إلى قمة العقبة، إلى حيث ينال رضى الله دنيا وأخرى. 
ولقد اعتزمت بعون الله وتوفيقه الحديث على مركزية بناء الإنسان في فقه الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، و كان من وراء هذه الرغبة مبرران يمكن بسطهما على المنوال الآتي: 

مبرر عام : يتلخص في كون بناء الفرد يعد أم المطالب والرغائب في كل المشاريع الإنسانية و الإسلامية التي تهدف إلى بناء مجتمع راشد متين . 

ومبرر خاص: يتمثل في تقريب شيء من فكر إمام من أئمة المسلمين للناس وبث علمه واجتهاده فيهم، وهذا من تمام النصح له رحمه الله تعالى لحديث تميم بن أوس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة، قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم." [1] 
يضاف إلى ذلك أن الإمام رحمه الله خلف ميراثا نفيسا - يتناول كليات التربية و كليات الجهاد - يضمن إحياء رجال ونساء، وإحياء الأمة، وتحريك الكل على المنهاج النبوي - على الطريق الصاعد عبر العقبة - المؤدي للخلافة الإسلامية بالنسبة للأمة ولرضى الله في الميمنة بالنسبة لكل مؤمن ومؤمنة. 
يمكن الحديث عن بناء الفرد في فكر الإمام عبد السلام ياسين بشكل عام بعد هذه المقدمة في ثلاثة مباحث وخاتمة: 

أصول بناء الفرد


يؤكد الإمام رحمه الله في عملية بناء الفرد على التربية القرآنية النبوية التي تهدي إلى عقيدة واضحة سهلة لا غموض فيها ولا التواء، تحرر الروح من الأوهام والخرافات وتحرر طاقات البشر للعمل والبناء، وتربط بين نواميس الكون الطبيعية ونواميس الفطرة البشرية في تناغم واتساق. 
ف "بما صلح به الجيل القرآني النبوي الأول تصلح به الأجيال إلى يوم القيامة إن كانت التربية والتعليم قرآنيين نبويين". [2] 

إن القرآن الكريم وخادمته السنة النبوية هما دليلا البناء ومادته، قال الله تعالى: ﴿ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون﴾ سورةالنحل، الآية: 44. 

فلا يصح بناء الفرد "إلا بهدي القرآن. منه ننطلق وإليه ننتهي به تطب القلوب وبه تهذب الأخلاق ". [3] 
كما أن السنة النبوية عندما نتخذها نموذجا لبناء سلوك الإنسان قلبا وعقلا وخلقا، كفيلة لترفعنا إلى حيث نستطيع اقتحام كل العقبات و التحديات. 
و لما كانت التربية القرآنية النبوية تحتضن الإنسان من في جميع أبعاده الوجدانية والعقلية والسلوكية كان الإمام رحمه الله ينظر للحقيقة الإنسانية بالنظرة القرآنية التي أحلَّت الإنسان محل التكريم والتفضيل، وأناطت به وظيفة الخلافة في الأرض، مُعترفةً به كُلا متماسكاً كما فطره خالقه سبحانه: جسماً وروحاً، قلباً وعقلاً، إرادةً ووجداناً. 
قال الإمام رحمه الله تعالى: " إن الله الخالق جلت عظمته عرض على قلوب العباد وعقولهم، كما عرض على جسومهم العبودية له جل جلاله، وفرض على القلوب والعقول وجوارح الجسم ، لكل عبودية خاصة، تتكامل هذه بتلك، ولكل عبودية مراسيمها وشروطها وأركانها ". [4] 
لذا فبناء الإنسان لا يكون متكاملا إلا إذا أودع قلبه إيمانا وعقله حكمة وجسمه صلابة : 
" فبالإيمان يكتسب حركية تختلف في كيفها عن حركية الجاهلية، وترمي لغاية هي من وراء زمن الدنيا ومن خلالها أيضا.وبالعقل الحكيم يكتسب المؤمن جهازا مدبرا مجتهدا يخوض به الفتنة، ويقتحم عقبتها ... وبالأجسام الصلبة المخشوشنة - أجسام الرجال- ينفذ المؤمنون خطة جهادهم لايسكنون لزينة الدنيا إلا استجماما وإعدادا لرغبة جديدة، ونصب جديد في طريقهم إلى دار الكرامة في الدنيا وعند الله ". [5] 
وحاصل الأمر أن لا بناء يرجى للإنسان في فقه الإمام رحمه الله إلا إذا كان مصدره المنهاج القرآني النبوي ، وهو بناء يهدف إلى تغيير ما بنفس الإنسان وتحرير عقله، وبعث إرادته. 

عقبات بناء الفرد


تعترض الإنسان في سلوكه إلى الله تعالى عقبات منها ما هو من صنع نفسه وبعضها من صنع عدوه، فإذا به معوق مريض مختلط هائم على وجه الزمن . 
فبناء الشخصية الإيمانية ليست طريق معبدة سهلة، بل هي طريق وعرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البيهقي وابن سعد عن أبي البجير:" ألا وإن عمل الجنة حزن بربوة، ألا وإن عمل النار سهل بسهوة." وهو حديث حسنه السيوطي. 

هي عقبات كثيرة أمام المؤمن، يمكن تلخيصها في ثلاث لكل منها بعد نفسي تربوي وبعد اجتماعي تنظيمي: 

- الأنانية الفردية التي تستعبد الفرد لهوى نفسه أو لهوى غيره، والتي تحول بينه وعالم التحرر الروحي. 
- العقلانية المتألهة الغافلة عن الله،السابحة في غلواء الحس والمادة، المنتقدة للإيمان بالغيب حيث تعتبره "منهجية تحول دون اكتساب العقلانية المحررة ودون الانفتاح على الواقع للتأثر به والتأثيـر فيه والتفاعل معه تفاعلا مُبدعا". [6] 
- العادة المانعة عن معرفة معروف يرضاه الشرع، أو إنكار منكر يذمه الشرع. وهذه العادة تأسر صاحبها عند غرائز الشهوة والشح والكسل.[7] 
إنها "عقبات تثبط الإنسان عن اقتحام العقبة الإيمانية، وعقبات أوْعر تعوقه عن الارتقاء في الإحسان. عقبات من تعلق نفسه بالدنيا، بالمال، بالجاه الذي يصرفه عن المرحمة، بالأنانية التي تجعله يستكبر عن الدخول في حصن الجماعة يسمع النصيحة، غافلا عن ربه، عن مخلوقيته، يحسب أن أحدا لا يراه، ناسيا أن الذي برأه وجعل له لسانا وشفتين ديَّان". [8]

 شروط بناء الفرد


إن الحكم بنجاح بناء الإيمان في قلب الفرد وبناء علم الجهاد في عقله وبناء فقه الحركة في سلوكه رهين باقتحامه للعقبات التي أسلفنا الحديث عنها ولا يتم هذا الاقتحام إلا بتوافر شروط أجملها الإمام رحمه الله تعالى في ثلاثة وهي: 


الصحبة و الجماعة أو أخوة بين المؤمنين : 

وهي صحبة وجماعة على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والقصد منها استلهام الصحبة النبوية في تجسيد معاني الأخوة الحافظة لصفاء الفطرة، المستجيبة لنداء الحق إلى الخلق بالمسارعة والمسابقة، وتقوم على أساس المحبة والتلمذة والاتباع والاجتماع على فهم وتنزيل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تطبيقا في حياة الناس. 

ذكر الله الدائم أو روحانية عليا : 
إن قوام بناء الفرد تزكية نفسه بذكر الله حتى يغلب هواه وشيطانه، وتطمئن بذكر الله قال تعالى: ﴿ ألا بذكر الله تطمئن القلوب ﴾سورة الرعد، الآية :28 
يقول الإمام رحمه الله تعالى: "ذكر الله يتجلى في التمسك بكتابه وهو الذكر الحكيم، ويتجلى في توحيده وإفراده بالعبادة، ويتجلى في الرضوخ لحاكميته في صغير الأمر وكبيره. . ذكر الله في الفرض والنفل، في التلاوة والذكر المشروع، في صعود الهمة المؤمنة ماثلة على باب الله تقرعه، في الحضور مع الله عند الالتفات لحقائق الأرض وعند الالتفات الدائم لما عند الله بعد الموت".[9] 
الصدق في السلوك أو رجولة الأخلاق الإيمانية: 
الصدق الدوام وهو الركن "الذاتي" والشرط الأساسي في بناء الفرد، والصدق استعداد الفرد ليتحلى بشعب الإيمان، ويندمج في جماعة المؤمنين ويكون له من قوة الإرادة وطول النفس ما يمكنه من إنجاز المهمات صحبتهم حتى الممات. 
فلا فائدة من ضرب الحديد البارد، ولا فائدة من محاولة بناء من ليس له استعداد. 
والصدق خصلة إيمانية جامعة تناقض النفاق والرياء والادعاء

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 commentaires:

back to top