samedi 22 février 2014

وحدة الأمة

نشرت من طرف : Unknown  |  في  16:39



يذكر العلماء مقاصد الشريعة في كتبهم من عهد الشاطبي رحمه الله الذي حاول التقعيد لها على أنها خمسة مقاصد: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وأن هذه المقاصد تحفظ من جانب الوجود بأصول العبادات والعادات والمعاملات، وتحفظ من جانب العدم بأصل الجنايات. 

وقد جعل العلماء العلم بمقاصد الشريعة شرطا من شروط الاجتهاد الشرعي. فإذا حاولنا أن نقارن الواقع الذي كتب فيه الإمام الشاطبي هذه المقاصد مع الواقع الحالي نجد فرقا شاسعا. إذ كان الإيمان بالبعث والنشور في عصره وازعا قويا مشتركا عاصما من الانفلات إلى مثل ما نرى في عصرنا. كان الجو العام جو إيمان، وكان الرأي العام رأي إيمان، وكان للآخرة وحقائقها وجود في حياة الناس اليومية، في عباداتهم ومعاملاتهم. كانت مقاصد الشريعة تفهم فهما ضمنيا. حق لعلماء ذلك العصر أن يتحدثوا عنها من جانب الحفظ، لأنه كان معهم رحمهم الله شيء يستحق في نظرهم أن يحفظ. 
نحن في عصرنا ما ضاع منا كثير، وما بقي آيل إلى الضياع إن لم نفهم أن الواقع تغير وأن ما كان في وقت الشاطبي مقاصد أصبح في وقتنا اليوم مطالب. وأن ما كان العلماء ومنهم الشاطبي يتحدثون عنه من جانب الحفظ يجب أن نتحدث عنه نحن اليوم من جانب الطلب. 
التصور المنهاجي من هذه الزاوية يتحدث عن مقاصد الشريعة أنها أصبحت مطالب، إلى جانب مطالب أخرى لم تكن خطرت على بال عالمنا الجليل. كمطلب وحدة الأمة مثلا. 
التصور المنهاجي يبحث في كيفية النهوض لتحقيق هذه المطالب: طلب الإسلام كله، طلب الإيمان بشعبه، طلب الشورى والعدل والإحسان، طلب بناء وحدة الأمة وتحقيق الخلافة على منهاج النبوة. وأن هذه المطالب لا يمكن أن تتحقق إلا بتأسيس جماعة منظمة باعتبارها أبي المقاصد والشرط الأول لتنفيذها. ذلك أن الفرد بوحده لا يستطيع في مجتمع مفتون في دينه ونفسه وعقله ونسله وماله حفظ شيء من تلك المقاصد لا من جانب الوجود ولا من جانب العدم. 
لما انفرمت وحدة المسلمين الأولى تحت الملك العاض والجبري لم يتحدث فقهاء ذلك الزمان عن ضرورة إعادة الحكم الشوري لأن وحدة الشوكة والسلطان بقيت قائمة على رقعة دار الإسلام، حقيقية في القرون الأولى، رمزية بعد استقلال كثير من الأمصار. آخر عهدنا بوحدة الشوكة عهد آل عثمان رحمهم الله. لم يذكر علماؤنا السابقون أثناء حديثهم عن مقاصد الشريعة هذا المقصد الجامع. أما في زماننا وقد نشبت فينا مخالب الجاهلية والأنياب، فنشعر بضرورة استعادة الوحدة شعورا عميقا. إنها مسألة حياة أو موت. إنها أم المقاصد وشرط تحقيقها، إنها مطلب من مطالبها

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 commentaires:

back to top